إيران في الوسط ... ميشيل روكار

Adsense
امتدت المفاوضات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني بشكل أو بآخر أكثر من عقد، وعليه فإن من غير المفاجئ أن الموعد النهائي للاتفاق النهائي قد تم تمديده مرة أخرى . إن إيران ومحاوريها - الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا 5+1 - لديهم الآن حتى نهاية يونيو/ حزيران للتوصل إلى اتفاق .
إن هذا التطور محبط وسوف يكون من السهل القول إنه يبدو أن العملية محكوم عليها بالفشل، ولكن هناك سبب للأمل، ففي جولة المفاوضات الحالية بدا كأن اللاعبين الرئيسيين وهما إيران والولايات المتحدة الأمريكية على استعداد، إن لم يكن بحاجة ماسة، لإنجاح تلك المحادثات .
إن الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الأمريكي باراك أوباما سوف يستفيدان من الاتفاق . لقد بدأت العقوبات المفروضة على إيران بالتأثير بشكل كبير في الاقتصاد، وتسوية النزاع هو شرط مسبق لأية جهود من قبل البلدين، للتعاون من أجل التوصل إلى اتفاق سلام في سوريا أو التعامل مع التهديد الذي يشكله تنظيم "داعش" .
لقد خرجت إيران لتوها من صراع سياسي داخلي استمر ثلاث سنوات . إن العسكر والملالي المتشددين الذين يؤمنون بأن على إيران أن تنتج الأسلحة النووية يتواجهون مع أغلبية مجتمع رجال الأعمال والملالي الإصلاحيين بقيادة روحاني والرئيس السابق محمد خاتمي، والذين يؤمنون بأنه لا يتوجب على إيران إنتاج الأسلحة النووية . لقد كانت النتيجة غير مؤكدة حتى قام القائد الأعلى آية الله علي خامئني بإعادة التأكيد على الفتوى بمنع الأسلحة النووية .
وطيلة فترة بقاء هذه المسألة من دون حسم، لم يكن باستطاعة الوفد الإيراني للمحادثات الاتفاق على النتيجة المطلوبة . لقد كان ذلك واضحاً في الحالات التي تم فيها منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حرية الوصول إلى المواقع المشتبه فيها خلال المفاوضات فقط، ليقوم القادة المحليون بمنع مفتشي الوكالة من دخول تلك المواقع عند وصولهم (للحقيقة، فإن الوفد الأمريكي كان يبدو متناقضاً في بعض الأحيان، فعادة ما كان يضم مسؤولين معادين بشدة لإيران إلى جانب دبلوماسيين منضبطين يسعون لاتفاق بناء على طلب أوباما) .
عندما نجحت حرب أمريكا المضللة للإطاحة بصدام حسين سنة 2003 فإن تلك الحرب أخلت بالتوازن الدقيق، فصدام كان فاسداً وقاسياً، ولكن نظامه كان بشكل عام علمانياً . لم يقم صدام الذي كان يركز جهوده على المحافظة على السلطة باقتناء أسلحة الدمار الشامل . لقد كان صدام الذي تعلم درسه من حرب العراق الوحشية والمكلفة مع إيران في الثمانينات حذراً في عدم الإخلال بالتوازن الجيوسياسي للمنطقة .
إن سوريا هي عبارة عن فسيفساء من الدروز والأكراد والمسيحيين والقليل من اليهود والعديد من الشيعة وأغلبية سنية، ومثل صدام فإن الرئيس بشار الأسد يترأس نظاماً علمانياً يحكم من خلال القمع . إن الإصرار في الغرب على الإطاحة به باسم حقوق الإنسان والديمقراطية اعتبرته المعارضة أنه فرصة للإطاحة بالذي يقمعهم .
لسوء الحظ فإن المعتدلين في سوريا يتعرضون للهجوم من جهتين: حكومة الأسد والمتطرفين، والنتيجة هي ظهور تنظيم "داعش" الذي يحمل معه التهديد بإبادة الأقليات بالبلاد بما في ذلك المسيحيون والدروز .
إن الاضطرابات في سوريا والعراق قد أعادت تشكيل الشؤون الجيوسياسية الإقليمية، فإلى جانب إيران فإن روسيا التي تسعى إلى تقويض النفوذ الأمريكي والبريطاني في الشرق الأوسط تدعم بينما تركيا، وهي القوة العسكرية الأقوى في المنطقة وعضو الناتو، لم تستطع إخفاء تعاطفها مع تنظيم "داعش"، فعلى سبيل المثال قامت الحكومة التركية مؤخراً بمنع الأكراد في تركيا من مناصرة أقربائهم من العرقية نفسها في العراق وسوريا والذين يستهدف تنظيم "داعش" إبادتهم .
إن نظام الأسد الوحشي وإيران قد أصبحا لاعبين رئيسيين في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية . وعليه فإن رفع العوائق أمام المحادثات النووية بين الخمسة +1 من جهة، وبين إيران من جهة أخرى، يعتبر أمراً حيوياً، فإزالة الجمود عن الوضع القائم الإقليمي يعني أن الاتفاق النهائي قد يؤدي إلى تغيير التحالفات مع عواقب بعيدة المدى، وربما أن السبب الأكثر إقناعاً للأمل بأن المفاوضين سوف يتحركون بسرعة للتوصل لاتفاق، هو خوف حكوماتهم من البدائل .

* رئيس وزراء فرنسي سابق وزعيم سابق للحزب الاشتراكي الفرنسي . والمقال ينشر بترتيب مع "بروجيكت سنديكت"

ليست هناك تعليقات